(Array|find{593}|oui)

مقترح حل للخروج من الأزمة/Lahouari Addi

إنٌ الأحداث التي عصفت بتونس ولا تزال تعصف اليوم بمصر، تمثل منعطفا تاريخيا في تطوٌر المنطقة، وستنتقل هذه الظاهرة إلى الجزائر وسوريا، طالما أنٌ هذه الأحداث، تعبٌر عن غضب الشعوب حيٌال حكامها الذين انحرفوا عن المسار التاريخي القومي المنبثق عن المقاومات التحرٌرية التي خاضتها الأجيال السابقة التي كانت تصبو إلى إنشاء دوٌل محترمة خارجيا، نامية اقتصاديا ومتقدمة اجتماعيا. ولقد أخـفـقـت النٌخب من الأجيال اللاٌحقة في تحقيق أيٌ من هذه الأهداف.

بل أوجدت أنظمة شمولية في معزل عن الشعوب ومتآكلة من جرٌاء الفساد. إن الاحتجاجات العنيفة التي بدأت في تونس وستأتي قريبا على الجزائر، تصبو إلى إعادة ثقة الشعوب بدولتهم. فالتونسيون والمصريون والجزائريون يرفضون اليوم، تحمٌل مزيد من الخجل حيال مؤسساتهم وجيوشهم وشرطهم التي انحرفت عن واجبها المتمثل في خدمة الوطن لا في خدمة الأنظمة.

إنٌ الأنظمة العربية الفاقدة للشرعية ولثقة شعوبها لم تعد تملك اليوم أيٌ قدرة على تطوير نفسها حتى تمثل مجتمعاتها بالفعل. لقد أصبح التغيير الجدري ملحٌا ويستدعي القطيعة التامة مع الأنظمة التي أساءت إلى كرامة المواطن وعزة الوطن وتاريخ مقاوماته المجيدة ضدٌ الاستعمار، كما أخلٌت بمستقبل الأجيال القادمة.

وجدير بالذكر، أنٌ الوقائع التاريخية التي طالت تونس ومصر، كان لها تأثير مباشر في الجزائر؛ فقلب النظام الملكي بمصر على يد الضباط الأحرار سنة 1952 كان من العناصر التي دفعت بالوطنيين الجزائريين إلى الإعداد للثورة المسلحة التي ازدادت تسارعا من جهة أخرى، على إثر انفجار المقاومتين التونسية والمغربية ضد الحماية الفرنسية في تونس والمغرب. وعلينا أن لا ننس أنٌ عبارة « فلاقة » هي عبارة استُعملت من طرف المستعمر الفرنسي إشارة منه إلى الفدائيين التونسيين الذين كانوا يستهدفون رموز النظام الاستعماري بتصويب ضرباتهم إلى الرأس… إنٌ العاصفة التي انطلقت من تونس، آتية لا محا له على الجزائر ووهران وقسنطينة … لذا، ينبغي استيعابها ومواكبتها من أجل الوصول إلى الأهداف المنشودة، أي، إرساء دولة القانون ونظام ديمقراطي. فمن مسؤولية المواطنين وموظفي الدولة، تفاديهم إراقة الدماء وزج الألوف من الأسر في دوٌامات الحزن والحداد ؛ خصوصا وأنٌ الكراهية التي يُكنها الشباب الجزائري إلى شريحة المستنفعين من النظام، ليس لها مثيل في المنطقة، إذا ما استحضرنا ألمائتي ألف من ضحايا « عشرية السوداء » من التسعينات وما تركته من جروح لم تلتئم بعدُ. إنٌ الجزائر بلد غنيٌ تبدٌدت ثرواتها على يد قادة جشعين ومفسدين جعلوا أنفسهم فوق القانون ( مثلما حصل في قضايا بنك الخليفة، وسوناطراك وغيرهما). إنٌ الشعب لا يغفر ل بوتفليقة و المخابرات (DRS) بسبب مسؤولياتهم حيال حالة الخسارة والخراب التي لحقت بالوطن.
غير أنٌ إراقة الدماء ليست حتمية ويمكن تفاديها إذا ما رفضت قيادة المؤسسة العسكرية أن ترتكب نفس الخطأ التاريخي، وتقبل بتغيير النظام والتعاون مع مجتمعها من أجل استعادة ترتيب مؤسسات الدولة.
أمٌا عن الإجراءات التي من شأنها أن تحدٌ من الأجواء المشحونة التي يعيشها المجتمع، فأرى منها :

- إقالة عبد العزيز بوتفليقة ؛

- شطب محمد مدين « توفيق » ومساعديه من الجيش الوطني الشعبي ؛

- حلٌ كلٌ مصالح ال DRS، التي تنشط في الوزارات والدرك والشرطة والإدارات والعدالة والإعلام، عدا تلك المتعلقة بالجوسسة ومطاردة الجواسيس ؛

- تكوين حكومة انتقالية برئاسة عبد الحميد مهري تضم شخصيات جديدة ليست لها أية علاقة بالنظام. مهمة هذه الحكومة، تصريف الأعمال وإعداد انتخابات رئاسية وتشريعية في أجل يتراوح ما بين 3 و 6 أشهر.
- حلٌ المجلس الشعبي الوطني والمجلس الاستشاري مع إلزامهم بإعادة دفع رواتبهم إلى الخزينة منذ 2008 ؛
- توقيف الدعم المالي من طرف الدولة إلى أحزب التجمع(RND) وال(FLN).

تكون للحكومة الانتقالية السلطة السياسية على القيادة العسكرية التي ستساعدها في مهمة الحفاظ على النظام العام وحماية الموطنين والممتلكات العامة والخاصة. كما تقوم الحكومة الانتقالية بتشجيع المواطنين من أجل تأسيس جمعيات مدنية أو أحزاب سياسية حتى يساهم الجميع في تشييد الديمقراطية ودولة القانون، دون إقصاء أيٌة حساسية من الحساسيات السياسية من المؤسسات، طالما تخضع للشروط الآتية :

- الاعتراف بانفراد الدولة وحدها باستعمال القوة ؛
- الالتزام بمبادئ حرية الرأي وحرية الصحافة مع احترام شرف المواطن وكرامته ؛
- الإقرار بالمساواة القانونية بين الرجل والمرأة ؛
- القبول بالتمثيل النسبي في النظام الانتخابي ؛
- الالتزام بنتائج الانتخابات مهما كانت.

إنٌ خيار دولة القانون والديمقراطية يتطابق مع الأفق التاريخي والمناخ الجزائري ولا جدوى لاعتراضه، بل ينبغي مواكبة هذا التطور بمعزل عن العنف، مثلما فعل بلدان أوروبا الشرقية. وبهذا الصدد، يتجلٌى إلينا أنٌ المسؤوليات الأخلاقية للأطر السٌامين في الدولة، ولا صياما الضباط السامين في المؤسسة العسكرية ستكون ثقيلة بقدر التحديات التاريخية الملقاة على عاتقهم.