(Array|find{273}|oui)

حالة الطوارئ بعد 18 سنة بين انتقادات المنظمات الحقوقية والواقع الجزائري: ما يطبق في الواقع من صميم تدابير مكافحة الإرهاب فقط، والخلل في تحيين المرسوم الرئاسي

تمر اليوم 18 عاما كاملة على إقرار رئيس المجلس الأعلى للدولة المرحوم، محمد بوضياف، حالة الطوارئ بمرسوم كان يهدف إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة والمواطنين من خطر جديد اسمه “الإرهاب“، وحددت مدة العمل به بسنة واحدة، واعتبر أنه قابل لوقف التنفيذ قبل انقضاء المدة المذكورة، ولكن حالة الطوارئ لم ترفع رغم مرور السنين

وهو ما وجدت فيه المنظمات الحقوقية الأجنبية والمحلية على السواء، نقطة سوداء تلاحق بها الدولة الجزائرية، واعتبرت مجهودات ترقية وحماية حقوق الإنسان “لاشيء“، في ظل بقاء العمل بحالة الطوارئ، رغم أن مسببات إقرار حالة الطوارئ لم تزل بعد، ومكافحة الإرهاب مستمرة، ورغم أن وزير الداخلية أكد أكثر من مرة أن تطبيقات حالة الطوارئ تبقى محدودة ولا تمس الحريات الأساسية للمواطن.

وبرر محتوى المرسوم، الذي يحمل رقم 92 - 44 ويتضمن 12 مادة، اعتماد حالة الطوارئ بـ“المساس الخطير والمستمر للنظام العام المسجل في العديد من نقاط التراب الوطني، واعتبارا للتهديدات التي تستهدف استقرار المؤسسات وللمساس الخطير والمتكرر بأمن المواطنين والسلم المدني“. غير أنه يلاحظ أن الدولة تنازلت عن تطبيق بعض مواد المرسوم، منها المتعلقة بالمراكز الأمنية التي تنشأ بقرار من وزير الداخلية والجماعات المحلية، وتخصص هذه المراكز لوضع أي شخص راشد يتضح أن نشاطه يشكل خطورة على النظام والأمن العموميين بها. كما استغنت الدولة عن تطبيق بعض من بنود المادة السادسة من المرسوم المتعلقة بتحديد أو منع مرور الأشخاص والسيارات في أماكن وأوقات معينة.
واتجهت السلطات بالمقابل، وفي إطار تدابير مخطط مكافحة الإرهاب، إلى تكثيف التواجد الأمني ووضع الحواجز ومضاعفة التفتيش، كما ألغي العمل بتنظيم نقل المواد الغذائية والسلع ذات الضرورة الأولى وتوزيعها، وكذا البند المتعلق بإنشاء مناطق الإقامة المنظمة لغير المقيمين.

وما يزال قيد التطبيق جزء من المادة السابعة المتعلقة بمنع كل مظاهرة يحتمل فيها الإخلال بالنظام والطمأنينة العمومية، ويستمر تمسك السلطات بهذا البند إلى تغيير الجماعات الإرهابية سياستها من استهداف مقرات الشرطة والدرك ودورياتهم إلى التفجيرات في الأماكن العمومية والتفجيرات الانتحارية، ولم يسلم حتى التجمع الشعبي الذي نظم في باتنة لاستقبال رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، من خطط الجماعات الإرهابية التي دست انتحاريا وسط مستقبلي الرئيس.

وبمقارنة ما يحتويه مرسوم إعلان حالة الطوارئ، بما يطبق على أرض الواقع، يتضح جليا أن الأمر مقتصر على تطبيق الجانب المتعلق بمكافحة الإرهاب والحفاظ على أمن المواطن ومؤسسات الدولة، دون المساس بالحريات الأساسية، كما تحرص المنظمات الحقوقية الأجنبية في انتقاداتها على إثارته، حيث تعتبر أن حالة الطوارئ تضييقا على الحريات، منها حرية التجمع وتنظيم المظاهرات، إذ تطبق حاليا المادة 9، والتي تنص على تفويض وزير الداخلية للسلطات العسكرية لقيادة عمليات استتباب الأمن على المستوى المحلي أو على مستوى دوائر إقليمية محددة.
والمؤكد أنه لو تخلت الجزائر عن كل ما جاء في حالة الطوارئ وبقي الإرهاب يعيث في الأرض فسادا، لاتهمت الدولة بالتقصير في حماية الشعب وانتهاك حقوق الإنسان بعدم الحفاظ على حق المواطن في الحياة.

غير أن ما يمكن أن يعاب على السلطات هو عدم الالتزام بالإعلان الواضح عن تجديد حالة الطوارئ أو إقرار تدابير استثنائية لحماية المواطن ومؤسسات الدولة، وهو ما ترك هامشا معتبرا لانتقاد الجزائر والمساس بسمعتها بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان، وظل الأمر يشكل خللا أو فراغا تغاضى عنه كثيرون، حيث أن المادة 91 من الدستور، والتي تسمح لرئيس الجمهورية، إذا دعت الضرورة الملحة، بإقرار حالة الطوارئ أو الحصار لمدة معينة بعد اجتماع المجلس الأعلى للأمن، واستشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني، ورئيس مجلس الأمة، والوزير الأول، ورئيس المجلس الدستوري، ويتخذ كل التدابير اللازمة لاستتباب الوضع، تنص بالمقابل على أنه لا يمكن تمديد حالة الطوارئ أو الحصار، إلا بعد موافقة البرلمان المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، وهو ما لم يحدث.

علي يحيى عبد النور:
السلطات استمدت بعضا من إجراءات حالة الحصار في تطبيق حالة الطوارئ

انتقد عميد الحقوقيين الجزائريين والرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، علي يحيى عبد النور، إبقاء السلطة على حالة الطوارئ منذ 9 فيفري 1992 دون تجديدها، رغم أنها كانت مقررة لسنة واحدة فقط. واعتبر المتحدث، في حديث خاص لـ“الفجر“، أن تطبيق حالة الطوارئ خارج المدة المحددة سمح بارتكاب بعض التجاوزات. وأشار علي يحيى عبد النور إلى أن السلطة استمدت، في تطبيق تدابير حالة الطوارئ، بعضا من الإجراءات المتعلقة بحالة الحصار التي طبقت في أكتوبر 1988 من طرف الرئيس الأسبق، الشاذلي بن جديد، منها تدخل عناصر الجيش في المحيط الحضري وشبه الحضري، رغم أن مهام الجيش تعني حراسة الحدود، ويبقى عمله خاضعا لمراقبة وقرارات المجلس الشعبي الوطني أو البرلمان حاليا.

وأضاف علي يحيى عبد النور أن قرارا أصدرته السلطات العليا للبلاد في 25 جويلية 1993 يسمح للولاة بطلب تدخل الجيش في حالة الخطر الإرهابي، مشيرا إلى أنه من المفروض أن يقتصر التدخل على الشرطة فقط. كما أشار علي يحيى عبد النور إلى نقطة متعلقة بتبعية الشرطة والدرك إلى وزارة الداخلية في حالة الطوارئ، ولكن الدرك حاليا تابع للجيش. وانتقد نفس المصدر عجز البرلمان عن مناقشة مثل هذه الأمور، ولخّص قوله بوصفه بـ“دار التقاعد الفاخر“.

فاروق قسنطيني:
حالة الطوارئ لن ترفع إلا بزوال مسبباتها، وهدفها محاربة الإرهاب وليس الديمقراطية

اعتبر رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني، أن حالة الطوارئ موجودة بمبررات قوية وحقيقية تتعلق بمكافحة الإرهاب الذي ما يزال يسجل وجوده في بعض مناطق الوطن. وقال المتحدث، أمس في اتصال مع “الفجر“، إن حالة الطوارئ لن ترفع إلا بزوال مسبباتها، وهو ما يعني القضاء على الإرهاب بشكل كامل.
ورد قسنطيني على المنادين برفع حالة الطوارئ بالقول إن “حالة الطوارئ أُقرت لمكافحة الإرهاب وليس الديمقراطية“، معتبرا أنه على هؤلاء أن يعوا جيدا أن أمن المواطن ومؤسسات الدولة من الأولويات وليس في تطبيق تدابير حالة الطوارئ حاليا ما يتعارض مع ممارسة الديمقراطية، لأن الأمر في الحقيقة مجرد محاولات للترويج لأطروحة خاطئة تمس سمعة ومصداقية الجزائر على الصعيد الدولي.

المكلف بالإعلام في حركة حمس محمد جمعة:
المعالجة الأمنية تكفي حاليا لمشكل الإرهاب وحالة الطوارئ سيف مسلط على رقاب السياسيين

وبخلاف موقفي طرفي التحالف الرئاسي الآخرين، تتمسك حركة مجتمع السلم بمطلب رفع حالة الطوارئ، من باب اعتبار أن استتباب الأمن قد تحقق بشكل كبير ولم تعد هناك نفس الدواعي التي بني على أساسها إقرار حالة الطوارئ في 1992. وفي ذات السياق، قال المكلف بالإعلام في حركة مجتمع السلم، محمد جمعة، إن ما تبقى من فلول الإرهاب يمكن معالجته فقط معالجة أمنية دون الحاجة إلى حالة الطوارئ، مثلما هو معمول به في إسبانيا مثلا.

وأضاف المتحدث، في اتصال مع “الفجر“، أن حالة الطوارئ أملتها ظروف استثنائية قبل 18 عاما، ولكن اليوم يمكن أن تقتصر محاربة الإرهاب على الجانب الأمني فقط. وذكر بمشروع قانون إلغاء حالة الطوارئ الذي بادرت به حمس، لكنها لم تتحصل على التأييد الكافي، ولم يمرر مقترح القانون في البرلمان. وقال جمعة إنه “رغم ما يقال حاليا من أن حالة الطوارئ لا تعيق العمل السياسي، إلا أنها تظل سيفا مسلطا على رقاب السياسيين الذين يمنعون دائما من تنظيم مسيرات ومظاهرات بسبب المرسوم الرئاسي 92 - 44 “.

نسيمة عجاج

الفجر 09-02-2010