(Array|find{1095}|oui)

الإسلاميون والعسكر بقلم مصطفى هميسي

حن أمام ملامح صورة جديدة تتأكد يوما بعد يوم. نعم في الوضع العربي الجديد نحن أمام مسألتين على الأقل: المدني والعسكري، الديني والمدني.
الديني، إخوانا كانوا أو سلفا، أو غيرهم، لهم الشارع والعسكر لهم البيروقراطيتين الإدارية والأمنية. واحد يستند لشرعية السلاح والآخر يستند لشرعية تمثيل » الحق » بالمعنى الديني ويملك تفويضا شعبيا كبيرا أو محدودا.

الجمهوريات العسكرية، في اليمن وسوريا ومصر وليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا، مضطرة لإحداث تغيير تريد أن تجعله محدودا. أي أن تضع تسيير شؤون الناس اليومية في أيدي الإسلاميين، ولكنها ستحتفظ بالدولة وأجهزتها الأساسية، أي أنها سوف تتنازل، ولو مؤقتا، عن الحكومات وجزءا من التشريع، للتيار الإسلامي، مهما كانت الصفة التي تطلق عليه.
هي مرحلة جديدة، كسر فيها احتكار السلطة والحكم. ولكن التقاسم لن يكون حاسما لصالح إحداث ثورة في » الدولة » ومؤسساتها. جهاز الأمن والقمع سيظل بيد السلطة الفعلية في وقت لن تنفرد الحكومات الجديدة، ومهما كانت أغلبيتها البرلمانية بإدارة باقي المسائل. لن تنفرد بالثروة والمال ولن تنفرد بالتجارة والمصالح ولن تنفرد حتى بالأجهزة الإدارية للحكومة. ولن تمنح قدرة كبيرة على التدخل في السياسة الخارجية ولا في إدارتها.

تبعا لذلك أي إمكانية للتعايش واستمرار أي تحالف يمكن أن يقوم بين الطرفين؟
المشكلة أن التيارات الليبرالية والحداثية، اليسارية منها واليمينية ظهرت ضعيفة شعبيا ولا تحظى بسند انتخابي قوي. وبالتالي لا يمكنها المغامرة بانتظار الانتخابات تلو الانتخابات للتأثير في مجريات الأمور، ولهذا ستكون على ما يبدو مضطرة للتحالف مع العسكر وحتى مع البيروقراطيتين الأمنية والإدارية ومع أوساط المال والمصالح، بما في ذلك تلك التي تحمي بعضا من مخلفات النظام السابق. ذلك سيزيد الغموض حول هويتها السياسية الحقيقية ويحدث مزيدا من الاضطراب في علاقتها بالقاعدة الانتخابية.

مصر ليبيا تونس والمغرب تمثل شمال إفريقيا والجناح الغربي للعرب سوف تعمها الظاهرة، وفي هذا السياق من المحتمل أن تلجأ السلطة في الجزائر لـ » إسلامييها »، ومنهم حمس أساسا والمنشق عنها السيد مناصرة ثم النهضة والإصلاح التي انتزعت من الشيخ جاب الله، من أجل إحداث نوع من التلاؤم مع التحولات في المنطقة.

في مصر والجزائر والمغرب سيكون واضحا وضوحا كاملا أن الإسلاميين لن يصلوا إلى الحكم وإدارة شؤون الدولة، لأن العسكر ما زالوا قوة ممسكة بأهم أدوات الدولة، الأمنية والمالية والإدارية بالخصوص، ولأن المخزن، البيروقراطية الخاضعة للقصر في المغرب، ما زال يمثل ثقلا سياسيا هاما يوظفه القصر وفق رؤيته وتقديراته للاحتفاظ بما يعتبره مصالحه ومصالح القوى المتحالفة معه في الداخل والخارج.

في الجزائر كنا قد لاحظنا أن أبو جرة سلطاني لجأ لما يشبه المعارضة في الفترة الأخيرة، فهو يهدد بالخروح من التحالف وينتقد شريكيه على أنهما لم يطبقا توجيهات » فخامته!! » الإصلاحية، لكنه لم يصل يوما في خطابه السياسي لتوجيه النقد للسلطة والحكم ومسؤوليته عن تغييب الناس وتزوير الانتخابات وتقييد الحريات وقتل كل حياة سياسية، لقد كان شريكا في كل شيء، وذلك ليس جديدا. لقد سبق أن طرحت السؤال على المرحوم الشيخ نحناح أكثرة من مرة: لم أجد لك منذ قام الحزب موقفا معارضا للسلطة وأقصى ما وصله خطابك هو انتقاد الحكومة وبعض الوضعيات. كان الرجل يضحك ويلجأ للدعابة لتجاوز الحرج أو إعداد الكلمات، وما أقدره، رحمه الله، على إنتاجها وتوظيفها لكي تعطي أكثر من معنى.

نحن في العهد الإسلامي ولا أرى أن الحكومات الجديدة يمكنها أن تحدث ثورة عميقة في البيروقراطيتين. ستكون مضطرة للعمل معها قد تطعمها ببعض من رجالها ونسائها ولكن لن يسمح لها إحداث إصلاح عميق على دور هاتين البيروقراطيتين في آليات اتخاذ القرار، وخاصة القرار ذي الطابع الاستراتيجي منه.

إن مهمة الحكومات إدارة شؤون الناس ومواجهة الطلب الاجتماعي المستعجل والنهم. ولست أدري كيف ستواجه هذه النخبة هذا الطلب. خاصة وأنه سيتم التعبير عنه في مناخ من الحرية ولو المحدودة. فالخوف من السلطة يبدو أنه انكسر ولا يمكنه أن يقوم مرة أخرى على ما كان عليه. سنرى