(Array|find{905}|oui)
7 أيلول (سبتمبر) 2011
هل هناك نقطة توازن ممكنة بين حرية المال وحرية الإنسان؟ ولماذا هذا التحرير الفاحش والعبثي للمال وهذا التقييد الخانق والعبثي للإنسان؟
نعم من بين القضايا التي ينبغي أن تطرح علاقة السلطة بالمال أو علاقة المال بالسلطة.
فالشرعية ولو المعنوية ظلت، على الأقل حتى مطلع التسعينيات، تستند لثورة التحرير ولمجموعة مبادئ عامة أهمها العدالة الاجتماعية وحتى نوعا من الشرعية البراغماتية التي تقوم على التوزيع وإرادة التوزيع.
اليوم قد يصبح المال أداة من أدوات التمكن من السلطة، ورأينا بوادر ذلك في ما راج عن شراء المناصب في قوائم الانتخابات حتى لأحزاب السلطة بل خاصة لأحزاب السلطة.
مقابل هذا هناك كلام كثير في الشارع عن استخدام السلطة والنفوذ لممارسة التجارة وحتى تجاوز القانون وتكديس الثروات وتحويلها للخارج.
ولعل المخيف في كل هذا أن الركود الاقتصادي والأزمة المتواصلة, وربما المرغوبة, تجعل الأموال العمومية هي مصدر الثراء الأهم وربما الوحيد.
كلنا نتذكر على الأقل حادثتين: الأولى الكتابات التي كانت قد تناولت منذ سنين قليلة مضت الجنرال والوزير المستشار صاحب النفوذ الواسع أيامها محمد بتشين, وهي ربطت بين ما كانت تتهمه به, أي التعسف في استخدام السلطة والثراء وامتلاك مصالح مادية أو مشاريع اقتصادية وإعلامية وتجارية وغيرها.
ثم الثانية وهي قريبة وتتصل بإمبراطورية مالية قامت وتلاشت في ظرف زمني قياسي وهي إمبراطورية الخليفة, وما أتهم به الرجل من تجاوزات ومن تلاعبات مالية منافية للقوانين السارية المفعول.
وهو أيضا ما يقال عن إمبراطورية ربراب وما وصلته حسب بعض التقديرات من احتكار لمجموعة نشاطات وما صار لها من مخالب وقدرة ضغط. وسبق أن سمعنا رئيس وزراء سابق وهو بلعيد عبد السلام يتحدث عن هذا الضغط.
اليوم قلة قليلة تسطو وتستحوذ على مليارات الدولارات المخصصة للاستيراد في ظروف احتكارية واضحة تكفلها السلطة.
ينبغي القول إن اقتصاد السوق في حاجة لحرية المبادرة وحرية المقاولة وهذه الحرية في حاجة لتراكم رأس المال وتراكم رأس المال طبعا في حاجة للمال والمال من أين ينبغي أن يأتي وكيف؟
إن التجارب التي جرت وتجري في البلدان التي عاشت أوضاعا متقاربة في الانتقال من امتلاك الدولة لوسائل الإنتاج وللرأسمال واحتكارها للتجارة الخارجية إلى اقتصاد السوق, تعرف المشكلات نفسها, حيث برز الأثرياء والرأسماليون أحيانا كثيرة من بين صفوف "النوموكلاتورا" الحاكمة أو من المقربين منهم, أو من الذين تمكنوا من ربط تحالفات مع مصالح أجنبية.
امتيازات السلطة وامتيازات المال كيف يمكن الوصول بها إلى مستوى مقبول من الشفافية, ومتى يجد الموضوع من يهتم به في الساحة السياسية؟
ماذا لو تساءلنا عن السبل التي تقود اليوم, أو لنقل التي قادت الخليفة أو ربراب أوغيرهما, لتحقيق ما حققه في هذه المدة الزمنية القصيرة ؟
مهما كانت الإجابة فإن المشكلة مطروحة على أكثر من صعيد:
الصعيد الأول معنوي فنحن نخرج تدريجيا من نظام جعل المال والثراء رمزا للفساد ورمزا للانحراف عن قيم الثورة وانفصالا عن الجماهير, حتى وإن ما زالت نظرة الناس للثراء تقوم على الريبة ووصم الكثير من الأثرياء بأنهم جمعوا ثروتهم من المال"الحرام!!". ونحن ندخل اقتصاد السوق عبر أبواب غير مفتوحة بشكل شفاف أمام الجميع وفي وقت يزيد الفقر أمام أعيننا يوما بعد يوم وتظهر ملامحه بشكل سافر ومثير.
الصعيد الثاني وهو الصعيد السياسي, إذ ليس هناك نقاش حول الموضوع والأحزاب القائمة والنقابة تصمت صمتا مريبا ولا يمكن الحديث عن برلمان.
أما الصعيد الثالث فهو قانوني, حيث نسجل أن التسهيلات التي تقدم لـ" المستثمرين (؟!!)" تزداد توسعا مع كل تعديل للقانون وما أكثر التعديلات.
البعض كان يتمنى مثلي تجسيد برنامج تقدمي قائم على العدالة الاجتماعية وعلى دور نشط للدولة ولكن بوسيلة ديمقراطية، والبعض تمنى ديمقراطية ولكن من غير ليبرالية فاسدة ومفسدة، وكل ما نلناه هو اقتصاد سوق " احتكاري!!" وإقطاع تجاري غبي ورديء نهم ومبذر في غياب الحرية والديمقراطية.
في الخلاصة ينبغي أن نقول: لا تقييد للسلطة من غير تقييد المال ولا تقييد للمال والسلطة من غير حرية الإنسان.
نحن أمام وضع مخيف. وعندما أسمع الحديث عن غلاف مالي بـ 286 مليار دولار للخماسية الحالية أصاب بالهلع وأقول ما يقوله الكثير من الجزائريين: " أدَاوْهُم"؟!!
la nation le 06/09/2011